روعة القران , وما يحتوي عليه من معاني تذهل العقول , وتخشع لها القلوب , تجعل الانسان ملازما له مهتديا به , فالقران يهدي للتي هي اقوم , ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بان لهم اجرا حسنا ماكثين فيه ابدا , اسال الله ان يجعلنا الله وإياكم من اصحاب الجنة ويصرف عنا وعنكم عذاب جهنم , ومن يصرف عنه يومئذ فقد رحمه , وذلك الفوز العظيم
الآيات السابقة , تذكر بضعة من صفات للمؤمنين والمؤمنات , صفات واخلاق عظيمة , اذا طبقها المؤمنون , سيعيشون امنين على انفسهم واموالهم واهلهم واعراضهم , وطعامهم وشرابهم ومسكنهم , وحاضرهم ومستقبلهم , هذا هو المعنى العام الذي يتبادر الى ذهن القارئ لهذه الآيات , وفي نفس الوقت , تحمل تلك الآيات معان خاصة يفهمها ويستنبطها من اراد الله له بذاك , في الزمن الذي يحدده الله , فالله انزل القران بعلمه , ولا يحيطون بشيء من علمه الا بما شاء , وكل على حسب علمه ومعرفته , فيفهم علماء الفضاء تلك الآيات الخاصة بعلومهم , والاطباء بطبهم , والمهندسون بمجالهم , وكل طبقات المجتمع فقيرها وغنيها , كل حسب مهنته وعلمه ومستواه الاقتصادي , ومكانته الاجتماعية , فالغنى , يذكره الله بالصدقات , وينهى الحاكم عن الظلم ويأمره بالعدل , قرانا محفوظا متجددا صالحا لكل زمان ومكان , والى قيام الساعة , وبعد قيام الساعة تستمر عجائبه , حيث يجد الناس ما وعدهم الله في القران الكريم , من النعيم في جنات النعيم , وما وعدهم من العذاب الميهن الاليم المقيم
ونعود الان الى الآيات الثلاث السابقة : (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) سورة النور)
الآيات السابقة تحتوي على معان اخلاقية , ومعان طبية علمية , فقوله تعالى : والحافظين فروجهم والحافظات , يؤدي الى عدم حدوث ظاهرة الزنا
أن ظاهرة الزنا تعتبر من اهم اسباب انتقال الامراض الجنسية المستعصية التي يصعب علاجها , وتجعل المريض يتردد على الاطباء والمستشفيات باستمرار , يظل متنقلا من عيادة الى عيادة لعدة سنوات , وليس شرطا , ان من يتردد على العيادات لعلاج مسالكه البولية يكون بسبب الزنا , فهناك من يتردد بسبب الاملاح والحصوات , او تضخم البروستات , ومعروف ان الاملاح تكون مزمنة , و تؤدي الى الالتهابات , وذلك بسبب تخريش وجرح جدار الجهاز البولي نتيجة مرور ونزول الحصوات الحادة (المشنتفة ), فتسيل الدماء , وتلتهب هذه الجروح , وتجعل المريض يتردد على الاطباء باستمرار, واكثر اصحاب الاملاح والحصوات لا يتخلصون منها , ويظل البعض منهم يعاني منها معظم حياته , فالله قدر ان تكون لهم كليتان تصنعان املاحا و حصوات لحكمة منه , ولا يستطيع احد تغيير ما خلق الله , فيضل مريض الاملاح والحصوات يعانون لفترات طويلة , تتكون لديهم الحصوات كل عام او عامين او اكثر , ويظل المريض يتردد على الاطباء , مع العلم ان جميع علاجات الاملاح والحصوات انماقط ف هي للمساعدة من اجل التخلص من الحصوات , وتخفيف الالام , ولا يمكن للإنسان ان يستخدم علاجات الاملاح والحصوات طيلة حياته او لفترات طويلة , فلكل دواء اثاره الجانبية الضارة اذا استعمل باستمرار , والوقاية طريقة ممتازة , وتقلل من تكون الاملاح والحصوات , وذلك بشرب الماء الكثير , وطول السجود , الذي يغير من وضع الكلية , فتصبح في وضعية تساعد على تدحرج الحصوات والاملاح , وخروجها من مجاري البول , ولعل الله يريد ان يجعل اصحاب الاملاح والحصوات من قائمي الليل العباد , ويكون ذلك سببا لدخولهم الجنة , ونحن نذكر هذه المعلومات , حتى لا نعتبر كل من يتردد لعلاج امراض المسالك البولية يعاني من امراض جنسية , هناك فرق , إن اصحاب الامراض الجنسية الذين اصيبوا بها نتيجة الزنا , هؤلاء يحملون في جهازهم البولي انواع من البكتريا مثل بكتريا مرض الزهري والسيلان , هذه البكتريا تقاوم الادوية وتستعصي على الاطباء, و يعاني المريض من مشاكل وآلام في المسالك البولية لعدة سنوات , وربما لعقود , وبحفظ الفرج عن الزنا , يكون هناك وقاية من الاصابة بهذه الامراض الجنسية المستعصية المزمنة , وتقليل من انتشارها في المجتمع
اخي القارئ , تعال معي لمتابعة المعاني و الفوائد الطبية والايمانية لتلك الآيات , قال تعالى : وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ
نرى في الآيات السابقة ثلاث صفات من صفات المؤمنين والمؤمنات : الصوم , وحفظ الفرج , وذكر الله تعالى كثيرا , والسر العظيم في هذه الآيات , هو في ترتيبها , في هذا الترتيب حكمة عظيمة جدا , تدل على علم الله بخلقه , وبوظائف اعضاءهم , الا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير
إن السر العظيم في هذه الآيات كما ذكرنا آنفا هو في الترتيب: (َالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ) , فالله ذكر ثلاث صفات للمؤمنين مرتبة , الصوم , ثم حفظ الفرج من الزنا , ثم ذكر الله كثيرا , فما الحكمة والسر في ذلك ؟
لقد ثبت علميا , ان الصوم يؤدي الى كبح جماح شهوة الجنس , فكثرة اكل الطعام والشبع , تجعل طاقة الجسم عالية , فتتقوي شهوة الجنس , وتجعل الذي لا يخاف الله , تجعله يحاول افراغ تلك الطاقة والشهوة الجنسية في غير ما احل الله , ( كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (
سورة اقرا) , وقديما قال المثل : الغنى يؤدي الى الزنا ( الا من رحم الله) , والشبع يؤدي الى النبع , وعندما يصوم الانسان , يتم حرق الطاقة والسكريات والدهون التي يتقوى بها على ممارسة الجنس ,فيتم كبح الشهوة الجنسية , وقد ارشدنا النبي صلى الله عليه وسلم الى الصوم ونصحنا به , وخص بذلك الشباب الغير متزوجين فقال : يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج (الباءة هي تكاليف الزواج ) , ومن لم يستطع فعليه بالصوم , فإنه له وجاء (يوجيه فلا يشعر بتهيج الجنس ) , وكذلك جاء في القران الكريم , امر للعزاب الغير متزوجين بالعفة عن الزنا , فقال تعالى : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (33) سورة النور ) , هذا الامر للعزاب الغير متزوجين , فكيف بالمتزوجين الذين يجدون طريقا حلالا لإفراغ طاقة وشهوة الجنس , على المتزوجين ان يفهموا , ولا داعي لأمرهم بحفظ الفرج و بالعفة , العازب غير المتزوج يأمره الله بالعفة وحفظ الفرج , اذن المتزوج ليس له عذر ,عليه ان يفهم , ويستحي على نفسه , عليه ان يستحي من الله
إذن , الصوم يكبح القوة الجنسية , ونتيجته حفظ الفرج عن الزنا , ولذلك جاءت صفة حفظ الفرج بعد الصوم , (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ) , الصوم يكبح شهوة الجنس , ويتبعه حفظ الفرج , اذن تطبيق صفة الصيام في الآية الاولى تؤدي الى الصفة التي بعدها , وهي صفة حفظ الفرج من الزنا
والان نأتي الى الصفة الثالثة , وهي صفة ذكر الله كثيرا , فهل ما ذكر قبلها من صفتي الصوم وحفظ الفرج , تؤدي الى صفة ذكر الله كثيرا ؟ نعم انه كذلك , تعالوا للنظر.
كما ان الصيام يكبح الشهوة الجنسية ويؤدي الى حفظ الفرج , كذلك يؤدي الصوم الى صفاء الروح والعقل , ويساعد على ذكر الله , وامتلاء البطن من الطعام , يجعل الانسان متكاسلا عن الطاعات وذكر الله , فما ملأ الانسان وعاء شرا من بطنه
وكذلك صفة حظ الفرج تؤدي الى صفة ذكر الله , فاذا حفظ الانسان فرجه عن الحرام , وتجنب النظر الى الحرام , يورثه الله نورا وايمانا صادقا في قلبه , (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ (31)سورة النور ) , والذي يحفظ فرجه ويغض بصره في الخلوات مخافة لله , يكون في درجة الصالحين , (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) سورة النازعات) , ومن صفات الصالحين انهم يذكرون الله كثيرا بخلاف المنافقين الذين لا يذكرون الله إلا قليلا) , ولذلك تجد الذين يحفظون فروجهم مخافة الله , يذكرون الله كثيرا دائما , ويتذكرونه في احلك المواقف , فهذه المرأة الصالحة زوجة زكريا عليه السلام , لم تنس ذكر الله في احلك موقف واشده على المرأة وهو الام الولادة , وللعلم ان الام الولادة لا ينفع معها اي مهدئ الا التخدير العام , وزوجة زكريا وهي في الام المخاض تذكر الله وتقول يا رب اني وضعتها انثى , وليس الذكر كالأنثى , واني سميتها مريم واني اعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم , لذة ذكر ربها انستها الام الولادة , وهذه ابنتها مريم عليها السلام , التي حفظت فرجها , تذكر الله كثيرا , تركع وتسجد لله في المحراب وتذكره كثيرا , وهذا يوسف عليه السلام الذي حفظ فرجه , يذكر الله كثيرا وفي احلك المواقف , في موقفه مع امرأة العزيز , يذكر الله عندما دعته اليها , قال معاذ الله , ذكر الله لأن لسانه متعود على ذكر الله , فتجلى له برهان الله, فصرفه عنها
إذن , الصوم يكبح جماح القوة الجنسية فيؤدي الى حفظ الفرج , وحفظ الفرج يملأ القلب ايمانا فيؤدي الى ذكر الله , خاصة في الخلوات , في تلك المواقف , هؤلاء الحافظون لفروجهم يذكرون الله , فيعلمون ان الله معهم ويراهم , فيتركون الزنا مخافة الله , كلا اني اخاف الله , فسبحان الله الذي جاء بهذا الترتيب لهذه الصفات , كل صفة تؤدي الى ما بعدها ,فما اروع هذا الترتيب , وما اجمله وما احكمه , ( وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ (وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (35) سورة الاحزاب ) صدق الله العظيم
(رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (
رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) سورة ال عمران) آمين